في ذكرى فوجيا باسكت،
وجيمي بوتون، ويورك مينستر،
وبوت ميموري، الذين زاروا
إنجلترا ذات مرة
إدواردو بلغرانو روسون
لاهتمامه بقصص السفر، وجد مستخدم ويكيبيديا جورج جيمتو، من دولة أوروجواي نفسه ذات يوم يقرأ ”فويجيا“، وهي رواية للكاتب الأرجنتيني إدواردو بلغرانو روسون، والتي تروي قصة حياة سكان تييرا ديل فويغو، في الطرف الجنوبي من أمريكا، في بداية القرن العشرين. ويروي الكتاب مغامرات تخوضها شخصيات خيالية؛ ولكنه تربطه صلة خفية بالواقع: فقد خُصِص الإهداء لفوجيا باسكت، وجيمي بوتون، ويورك مينستر، وبوت ميموري. ولكن من هي فويجيا باسكت؟ سوف يظل موضوع إهداء الرواية غامضًا بالنسبة للقارئ لبعض الوقت.
بعد عشرة أعوام من هذا الاكتشاف الأدبي الأول، عثر جورج على كتاب داروين ”رحلة البيغل“، وهو عبارة عن مذكرات قام داروين بتدوينها خلال سفره حول العالم على متن سفينة. وقد تفاجأ جورج عندما صادف مرة أخرى الشخصيات نفسها التي أهدى لها بيلجرانو روسون كتابه. وهكذا التقى جورج بفويجيا باسكت.
ما الذي تخفيه مذكرات رحلة بيغل؟
في مذكراته، يروي داروين قصة خطف الفتاة الصغيرة فويجيا باسكت وثلاثة رجال آخرين، بواسطة روبرت فيتزروي، قبطان سفينة البيغل، خلال أول رحلة له عبر أمريكا الجنوبية في أوائل ثلاثينات القرن التاسع عشر (1830). تم اختطاف فويجيا وهي بعمر التاسعة فقط، وقد حاول فيتزروي أن يستخدمها كعملة لإنقاذ مركب إنجليزي زُعم أن الفوجيون كانوا قد سرقوه. وبعد أن فشل في تحقيق هدفه، أخذ فيتزروي كل من فوجيا باسكت، وجيمي بوتون، ويورك مينستر، وبوت ميموري (كما كانوا يُدعون)، إلى إنجلترا.
عاشت فوجيا في إنجلترا حوالي عام. ومعظم ما نعرفه عنها كان مصدره فريتزروي وداروين نفسه، والذين سافر مع الرحلة الثانية لسفينة البيغل. وخلال هذه الرحلة أعيد كل من فوجيا باسكت، وجيمي بوتون، ويورك مينستر إلى وطنهم (توفى بوت ميموري بمرض الجدري في إنجلترا). وقد اشار داروين إلى ذكاء فوجيا، والكاريزما التي كانت تتمتع بها، وقدرتها على تعلم اللغات، فقد كانت تتحدث الإنجليزية، والأسبانية، والبرتغالية. وقد منحتها شخصيتها شهرة كبيرة أينما ذهبت، وقد سعدت بها ملكة بريطانيا نفسها عندما تعرفت عليها.
هوية فوجيا باسكت
فوجيا باسكت هو الاسم الذي أُطلِق على تلك الفتاة، لكن خاطفوها هم الذين اختاروا لها هذا الاسم. وكان اسمها الحقيقي عند ولادتها هو ”يوكوشلو“. كان للخاطفين الإنجليز دافعًا خفيًا لأخذ فوجيا إلى بلادهم؛ فقد كانوا يعتقدون أنهم بذلك سيكون لدى السفن الإنجليزية مترجمةً فوريةً خلال الرحلات القادمة في المنطقة. كانت فوجيا امرأة ذات ملحوظية، وقد ظل أعضاء الأطقم الملاحية المختلفة يذكرونها بعد عدة عقود من إعادتها إلى بلادها.
رغم أنها عاشت في الخارج لعدة سنوات، رفضت فوجيا الانضمام إلى ارسالية مسيحية بعد بلوغها سن الرشد، وفضلت أن تشارك عائلتها حياة مرتبطة بجذورهم وتقاليدهم.
للأسف، ليست قصة فوجيا فريدةً من نوعها. فقد كان اختطاف الأمريكيين الأصليين ممارسة شائعة خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث كان الأوروبيون يعتبرونهم بمثابة متوحشين. وقد تعرضوا للتعذيب في كثير من الأحيان باسم التقدم الاستعماري، كما تم استخدامهم لإجراء التجارب عليهم أو لعرضهم في حدائق حيوان بشرية.
تعد فوجيا نموذجًا بارزًأ ولامعًا في هذا السيناريو المؤلم، وذلك لأنها واحدة من السكان الأصليين القلائل في الطرف الجنوبي من أمريكا، الذين رُويَّت مغامراتهم في الثقافة الغربية وظلت حية حتى وقتنا هذا.
الكفاح للحفاظ على الذكرى
بعد قراءة قصتها في مذكرات داروين، قام جورج بالبحث على ويكيبيديا لمعرفة المزيد عن فوجيا، ولكن لم يكن قد تمت كتابة مقالة عنها في أي من اللغات. مع ذلك، فقد كان هناك مقالة حول جيمي بوتون، وهو أحد رفاقها المحتجزين. وكانت تلك المقالة متاحة على ويكيبيديا الإنجليزية منذ 2004، وعلى ويكيبيديا الإسبانية منذ 2006. وهي متاحة حاليًا على نسخ ويكيبيديا الألمانية، والفرنسية، والإيطالية. وقد لفت هذا الغياب نظر جورج، وقد دفعته خبرته كمستخدم لويكيبيديا إلى اكتشاف أنه قد تم بالفعل إنشاء مقالة عن فوجيا عام 2011 لكنها حُذٍفت لاعتبارها ”غير موسوعية “.
أول سؤال طرحه جورج هو لماذا اعتبر الأسير المراهق الذكر ذا أهمية موسوعية، بينما تم استبعاد الأسيرة الفتاة، والتي وصفها داروين بأنها الأكثر مهارة وتميزًأ من بين المختطفين، من التسجيل.
عازمًا على الحفاظ على ذكرى فوجيا، بدأ جورج يبحث عن مصادر إضافية وأنشأ مقالتها مرة أخرى، مدافعًا عن أهميتها في ملخص التحرير الخاص به. ولصياغة المقالة بشكل أفضل، لجأ جورج، بجانب مذكرات داروين، إلى سجلات فيتزروي حول رحلة بيغل، بالإضافة إلى مقالة كُتِبت في إطار مشروع لجامعة كامبريدج حول مراسلات داروين.
فوجيا تستحق مكانة متميزة في التاريخ
من المهم لعدة أسباب أن نروى قصة فوجيا. أولاً، لأنها تعد مغامرة فريدة ومحورية: فهي تدور حول شخصية فوجية، اعتُبِرت بمثابة ”متوحشة“، وتم اختطافها، وتلقت تعليمها في إنجلترا، وزارت الملكة، وعاشت مع داروين، ثم عادت في النهاية إلى وطنها لاستئناف حياتها التقليدية.
ثانيًا، تتيح لنا القصة فهم بعض النقاط الأساسية حول اللقاء بين سكان أمريكا الأصليين وبين الأوروبيين. كان غزو السفن التجارية، والبعثات المسيحية، ومن ثم ضم الأراضي كلها أمورًا كارثية لثقافات تييرا ديل فويغو، التي انقرضت عمليًا اليوم.
ثالثًأ، تتيح لنا تجربة فوجيا أن نجمع بين البعدين السابقين مما يجعل من السهل علينا أن نتعاطف مع الشخصية الفردية لأولئك الذين تم تجريدهم من إنسانيتهم ووصفهم بأنهم ”متوحشين“، وفي الوقت نفسه يتيح لنا فهم ثقافتهم على نهج أعمق.
سلوك فوجيا يتضح من خلال صورتها
تصاحب سجلات فريتزروي صورًا للأسرى الفوجيين، وتهدف هذه الصور إلى التعرف على هوياتهم وأعمارهم وتوضيح سمات السكان الأصليين. يقول جورج: ”إن مظهر هذه الرسوم يذكرني كثيرًا بصور السجناء حاليًا“
إن الصورة التي تركها لنا الفنان الذي رسم وجه فوجيا منذ مئات السنين تلفت الانتباه، من جهة، نحو سلوك الفتاة القوي والهادئ، ومن جهة أخرى، نحو ملابسها وطريقة تصفيف شعرها لجعلها تبدو كفتاة أوروربية. وفوق كل شيء ، فإن وضع وجه لفوجيا يساعدنا على تخيل مصيرها، وإعادة التفكير حول من الذي يُكتَب التاريخ وفقًأ لوجهة نظره.
بما أنه قد تم إنشاء صورة يوكوشلو (أو فويجا) ونشرها منذ وقت طويل، فإن أية حقوق نشر وتأليف أصلية لا بد وأنها قد انتهت وأصبحت الصورة تخضع الآن للملكية العامة. بذلك فإن قصة فوجيا وصورتها هي الآن ملك لنا جميعًا.
وجد جورج الصورة على موقع مشروع مراسلات داروين التابع لجامعة كامبريدج، وأضافها إلى ويكيميديا كومنز خلال تحديVisibleWikiWomen . يسعدنا أن هذا التحدي قد شجع أحد مستخدمي ويكيبيديا على البحث عن صورة لإنشاء مقالة لم تكن موجودة. خلال المرحلة القادمة من التحدي، نريد أن يقوم عدد أكبر من الناس باستخدام بعض من الصور التي يتجاوز عددها ألف صورة، والتي تم جمعها بهدف تحسين ظهور النساء وتاريخهن على ويكيبيديا.
هذا المنشور مبني على حوار مع جورج جيمتو.